أدوية مفقودة ومعابر مغلقة.. المرض المزمن يتحول إلى حكم بالإعدام في غزة
أدوية مفقودة ومعابر مغلقة.. المرض المزمن يتحول إلى حكم بالإعدام في غزة
تعيش المنظومة الصحية في قطاع غزة واحدة من أخطر مراحلها منذ عقود، في ظل تصاعد التحذيرات من كارثة صحية وشيكة تهدد حياة آلاف المرضى، خاصة من أصحاب الأمراض المزمنة، نتيجة النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، واستمرار القيود الإسرائيلية المشددة على حركة المرضى ومنعهم من السفر للعلاج خارج القطاع، في صورة تعكس واقع مأساوي يتفاقم يوما بعد يوم، وسط عجز المستشفيات عن تقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية، وتحول العلاج من حق إنساني أساسي إلى حلم بعيد المنال.
وحذرت جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في بيان اليوم الثلاثاء من مضاعفات صحية خطيرة تطال مرضى الأمراض المزمنة في قطاع غزة، نتيجة الانقطاع شبه الكامل للأدوية الأساسية التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة، وقال مدير الجمعية محمد أبو عفش إن غياب الأدوية ومنع السلطات الإسرائيلية سفر المرضى لتلقي العلاج في الخارج أدى إلى وفاة 1200 مريض فلسطيني، دون تحديد الإطار الزمني لهذه الوفيات، في مؤشر خطير على حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
وأوضح أبو عفش، أن شح الأدوية لا يقتصر على الأمراض المزمنة فقط، بل امتد ليشل أقساما طبية كاملة، مشيرا إلى أن 99 بالمئة من العمليات الجراحية المتخصصة في مجال جراحة العظام توقفت بشكل كامل، بسبب غياب المستلزمات الطبية الأساسية، ما يترك الجرحى والمرضى أمام خيارات محدودة قد تنتهي بعجز دائم أو فقدان الحياة.
أرقام تعكس عمق المأساة
تعزز هذه المعطيات تحذيرات أطلقتها منظمات دولية، حيث أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس وفاة 1092 مريض في قطاع غزة أثناء انتظارهم الإجلاء الطبي، خلال الفترة الممتدة من يوليو 2024 وحتى نوفمبر 2025، وهذه الأرقام تعكس فشلا متواصلا في تمكين المرضى من الوصول إلى العلاج المنقذ للحياة، رغم توقف حرب الإبادة، واستمرار الحاجة الماسة إلى ممرات إنسانية آمنة.
وفي السياق ذاته، أكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن أزمة الأدوية والمستهلكات الطبية لا تزال عند مستويات كارثية، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، ووفق بيانات الوزارة، فإن 52 بالمئة من قائمة الأدوية الأساسية رصيدها صفر، إلى جانب 71 بالمئة من المستهلكات الطبية، و70 بالمئة من المستهلكات المخبرية، ما يعني أن غالبية الخدمات الصحية باتت مهددة بالتوقف الكامل.
ورغم انتهاء العمليات العسكرية الواسعة، إلا أن عملية الإجلاء الطبي للمرضى من قطاع غزة تسير بوتيرة بطيئة للغاية، وسط استمرار القيود الإسرائيلية المشددة على خروج المرضى، واشتراطات معقدة تعيق وصولهم إلى المستشفيات خارج القطاع، وهذا البطء يفاقم معاناة آلاف المرضى الذين ينتظرون دورهم في قوائم طويلة، بينما تتدهور حالتهم الصحية يوما بعد يوم.
ومع استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، تتفاقم أزمة الأدوية والمستلزمات الطبية داخل المستشفيات، التي تعاني أصلا من ضغط هائل ونقص حاد في الكوادر والمعدات، ما يجعل الوضع الصحي في القطاع خارج السيطرة، بحسب توصيف مصادر طبية.
وزارة الصحة تدق ناقوس الخطر
من جديد، أطلقت وزارة الصحة الفلسطينية تحذيرا شديد اللهجة من التداعيات الخطيرة والمتسارعة لنقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وأكدت الوزارة أن نسب العجز تجاوزت 52 بالمئة في الأدوية الأساسية و71 بالمئة في المستهلكات الطبية، في ظل حالة استنزاف خطير وغير مسبوق للمنظومة الصحية.
وأوضحت الوزارة أن عامين من الحرب والحصار المطبق أديا إلى انخفاض حاد في قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية، ما انعكس بشكل مباشر على حياة المرضى، خصوصا أصحاب الأمراض المزمنة والحرجة، وطالبت الجهات الدولية والإنسانية بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، والضغط على السلطات الإسرائيلية للسماح بإدخال الأدوية والمستهلكات الطبية بشكل منتظم إلى المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية.
وفي بعد آخر للأزمة، كشفت مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في مستشفيات غزة سحر غانم عن نقص حاد في مواد الفحص المخبري والمستهلكات المخبرية، ما أدى إلى عجز العديد من الأقسام الطبية عن تقديم خدماتها الأساسية، وأشارت إلى أن هذا النقص ينعكس مباشرة على دقة التشخيص وسرعة العلاج، ويضاعف المخاطر الصحية التي يتعرض لها المرضى.
وأضافت غانم أن الفئات الأكثر تضررا تشمل مرضى الأمراض المزمنة، ومرضى السرطان، والفشل الكلوي، والنساء الحوامل، الذين يواجهون صعوبات يومية في الحصول على الفحوصات والعلاجات اللازمة، ما يحول رحلة العلاج إلى معاناة مستمرة، ويعرض حياة كثيرين منهم لمضاعفات قد تكون قاتلة.
تحذيرات دولية متجددة
من جانبه، أكد ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، الدكتور ريك بيبركورن، أن قطاع غزة لا يزال يعاني من تدهور حاد ونقص مستمر في الإمدادات والمعدات الطبية.
وأوضح أن فصل الشتاء يزيد من مخاطر الأمراض والعدوى، في وقت تعمل فيه نحو 50 بالمئة فقط من مستشفيات القطاع بشكل جزئي.
وأشار بيبركورن إلى أن نحو 37000 شخص في شمال قطاع غزة لا يتمكنون من الوصول إلى المستشفيات، بسبب الأضرار الواسعة في البنية التحتية والقيود المفروضة على الحركة.
كما لفت إلى أن النقص في الأدوية الأساسية يشمل مجالات حيوية مثل أمراض القلب، وزراعة الكلى، والعلاج الكيميائي، وجراحة العظام، مؤكدا أن 50 بالمئة من الأدوية المدرجة في قائمة الأدوية الأساسية إما معدومة وإما شبه معدومة.
انهيار يلوح في الأفق
بدوره، حذّر مدير الرعاية الصيدلانية في وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور علاء حلس من أن العجز الحالي في الأصناف الدوائية هو الأعلى منذ عامين، حتى مقارنة بأشد فترات العدوان قسوة، وأكد أن هذا الوضع ينذر بتداعيات خطيرة على حياة آلاف المرضى، لا سيما مرضى السرطان والقلب والأمراض المزمنة، الذين يعتمدون على العلاج المنتظم للبقاء على قيد الحياة.
وأشار حلس إلى أن استمرار هذا الانهيار الدوائي قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على العديد من الحالات الطبية، وارتفاع معدلات الوفاة، في ظل غياب البدائل العلاجية وانعدام القدرة على تعويض النقص.
يعاني قطاع غزة منذ سنوات طويلة من حصار مشدد أثر بشكل مباشر على المنظومة الصحية، إلا أن تداعيات الحرب الأخيرة عمقت الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة، فقد دمرت أجزاء واسعة من البنية التحتية الصحية، وتعرضت المستشفيات للاستنزاف، فيما تواصل إسرائيل فرض قيود صارمة على إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية وخروج المرضى للعلاج في الخارج، ورغم صدور أوامر من محكمة العدل الدولية بضرورة رفع الحصار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، لا تزال هذه الأوامر دون تنفيذ فعلي، ما يترك أكثر من 2000000 فلسطيني في القطاع، بينهم آلاف المرضى، في مواجهة مصير صحي مجهول، وسط صمت دولي وعجز إنساني متواصل.










